لم يكد السلطان يستوعب كلمات إليانا عن "قضم الختم" حتى انقلب هدوء الغرفة إلى جحيم هائج. تحولت الرائحة الكبريتية، التي كانت همساً خافتاً، إلى صرخة خانقة. وفجأة، انفجر الجدار الشمالي - ليس بفعل البارود، بل بقوة سوداء لزجة بدأت تتسرب عبر الشقوق كالأفاعي المتموجة.
هؤلاء هم "ظلال الموت"، الحرس السري للمفوض إيزنبرت - كيانات بلا ملامح ملفوفة بعباءات منسوجة من أرواح مشوهة، تحمل شفرات تنبعث منها أنفاس القبر الباردة.
«سلطان... لا تستخدم النار!» صرخت إليانا، وهي تقفز برشاقة قط بري، وسيفها يتوهج بضوء ذهبي ساطع. «نارُك لن تُغذي إلا ظلالهم! استخدم الأرض... اجعل الحجر يبتلع ظلامهم!»
تردد السلطان؛ فغريزته كانت تدفعه دائمًا نحو ثورة عارمة. لكنه نظر إلى إليانا فرأى جرحًا صغيرًا قرمزيًا على كتفها أحدثته شظية طائشة. في تلك اللحظة، لم يشعر السلطان بأي خوف، بل بسكون مدمر. كان ذلك السكون الذي يسبق عاصفة رملية في صحاري بغداد.
أغمض عينيه لجزء من الثانية. لم يعد يسمع ضجيج المعركة؛ بل سمع نبض الجبل نفسه. ضغط بكفيه على الأرض المتجمدة ولم يصرخ. بدلاً من ذلك، همس بكلمة واحدة انبثقت من أعماق روحه: "اصمدوا".
في لمح البصر، تحولت الأرض تحت الظلال إلى أشواك من الزمرد الصلب. انبثقت أعمدة خضراء متوهجة من الحجر، تخترق أجساد الظلال اللزجة وتثبتها على الجدران كالفراشات المحفوظة. كان مشهدًا مهيبًا - غابة من الكريستال الأخضر تتفتح في قلب الغرفة الجليدية، تشع نورًا بدد الظلام.
«أنتِ... أنتِ فعلتِها»، قالت إليانا وهي تلهث، تحدق في الزمرد الذي ينبض بتناغم مع أنفاس السلطان. «لقد مزجتِ الثبات بالإرادة».
لكنّ النصر لم يدم طويلاً. فمن بين الأنقاض، برزت صورة رجل يرتدي الزي الرسمي للأكاديمية، لكن عينيه كانتا غائرتين تماماً، كما لو كان مجرد دمية تُحركها خيوط بعيدة. كان هو الكابتن سيرجي، الرجل الذي ظنّه سلطان مجرد جندي عادي.
قال سيرجي بصوتٍ ليس صوته، بل صدىً مشوّهاً لنبرة إيزنبرت البعيدة: "ظننتُ أنك أذكى من هذا يا ابن بغداد. أتظن أن هذه الزمردة ستحمي الختم؟ الختم ميتٌ بالفعل... نحن ننتظر اللحظة المناسبة لدفن جثته."
رفع سيرجي يده، فأطلق موجة من الطاقة المظلمة المتلاشية. لكن سلطان لم يتراجع. هذه المرة، لم ينتظر أمر إليانا. شعر بالبرق الأزرق يزحف من قدميه إلى ذراعه المكسوة بالزمرد.
انقض سلطان على سيرجي بسرعةٍ تفوق قدرة العين على التتبع. لم تكن لكمته مجرد لكمة عادية، بل كانت أشبه باصطدام جبلٍ بصاعقة. ارتطمت قبضته الزمردية، المتوهجة بالبرق، بصدر سيرجي، مُحدثةً دويًا هائلاً هزّ أركان الأكاديمية.
تلاشى جسد سيرجي الدمية إلى غبار أسود، وتبخرت الطاقة المظلمة. ساد صمت ثقيل، ولم يبقَ سوى سلطان وإليانا وسط شظايا الزمرد المحطم.
التفت السلطان نحو إليانا، التي كانت تحدق به بمزيج من الرهبة والرعب.
سأل السلطان، وهو يرى يده لا تزال تنبض بضوء أخضر وأزرق متشابك: "لماذا تنظر إلي هكذا؟"
قالت إليانا بصوتٍ خفيض: "لأن ما فعلته للتو... لم يكن مجرد دفاع. لقد أطلقتَ العنان لـ"قانون الإبادة". لقد محوت وجوده من النسيج السحري. السلطان... إيزنبرت لا يريد قتلك الآن فحسب، بل يخشاك."
اقتربت منه، وهي تمسح العرق البارد عن جبينه بكفها.
لقد أعلنت الحرب يا سلطان. والآن... لا عودة إلى بغداد، ولا مكان للختم القديم. نحن الآن... وحدنا في مواجهة العالم.
في تلك اللحظة، بدأت أجراس الإنذار في الأكاديمية بأكملها تدق. اقترب صوت ارتطام أحذية الحراس، وملأ صوت قيصر الأجواء عبر مكبرات صوت سحرية، مطالباً بتفسير لهذا الاضطراب.
أمسكت إليانا بيد سلطان بقوة. "نهرب؟ لا... سنواجههم. لكن تذكر: لا تخبرهم عن الأغنية، ولا تخبرهم عن الصدع. أخبرهم فقط أنك كنت تدافع عن حياتك. الحقيقة هي سلاحنا الأخير، ويجب ألا نستخدمها الآن."
وقف السلطان شامخًا، وشعره الفضي يرفرف في الهواء البارد المتسرب من الشق. أدرك أن الزمرد لم يعد مجرد حجر، بل أصبح حصنه الداخلي. رحلته الحقيقية لم تبدأ بعد... هذه مجرد شرارة في بركان خيانة على وشك الانفجار.
