WebNovels

Chapter 2 - الفصل الثاني : بين أنياب المجلس

الجزء الأول

الخطوات كانت أبطأ من اللازم.

ليست لأنها ثقيلة، بل لأنها تؤجّل ما لا مفر منه.

كل خطوة يخطوها ديفد في الممر الحجري تقرع في قلبه كناقوس موت.

ليس بسبب الخوف… بل بسبب الجهل.

لا يعرف القوانين هنا.

ولا يعرف ماضي ديفد بدقة.

كل ما يملكه: ذاكرة الكاتب…

وبعض التفاصيل المنسية التي كتبها ذات ليلة بائسة، ثم محاها عندما شعر أن لا أحد سيقرأها.

الآن… كل كلمة كتبها قد تُقتله.

الحارسان أمامه لا ينطقان.

فقط يسيرون، بأسلوب مريب: لا يعطونه ظهورهم، ولا يتركون له مجالًا للهرب.

ليس لأنهم يخافونه… بل لأنهم يحتقرونه.

عندما وصلوا إلى الباب الحجري المزيّن بشعار الأكاديمية – التنين الناري يحتضن العين الأرجوانية – وقف أحد الحرس وقال دون أن يلتفت:

"لا تتكلم إلا إذا طُلب منك. لا تُحرّك مانا. لا تتصرّف."

ثم دفع الباب.

القاعة كانت واسعة، مضاءة بضوء باهت من كريستالات المانا المعلّقة في السقف، كأنها تضيء الجريمة لا المكان.

في المنتصف، دائرة حجرية منقوشة برموز مانا محرّمة على التلاميذ.

فوقها، يقف ديفد كورماستون.

أمامه، طاولة طويلة من الأبنوس، خلفها خمسة مقاعد مرتفعة.

خمس وجوه، خمسة أسماء، خمسة كوابيس.

مجلس الأكاديمية العليا.

الرجل الأول – أصلع بملامح جلفة وعين واحدة مغطاة بعين مانا سوداء – كان يُدعى إلدروف. رئيس المجلس.

الثانية – امرأة ذات نظرة كأنها وُلدت لتحكم على الآخرين – ألييرا من بيت رونهايم.

الثالث – رجل رمادي الشعر، رمادي البشرة، رمادي الصوت – سيران فال، مختص قوانين الأكاديمية.

الرابع – امرأة بعين واحدة وجانب وجه محترق – غريس دارفال، المحققة العظمى في الأكاديمية.

أما الخامس – لم يتكلم، لم يتحرك، اسمه فقط يتردّد مثل لعنة: كالدريك.

إلدروف قال بصوته الأجش:

"كورماستون…"

لم يُعلّق أحد. حتى التنفّس كان مراقبًا.

أضاف بصوت أبرد:

"أنت أمامنا لأنك حي."

قالها كأن الحياة جريمة.

ديفد لم يُجب.

ألييرا انحنت قليلًا للأمام، عيناها تضيقان:

"كان يُفترض بك أن تُعدم. الحكم صدر، المذنب اعترف، السجلات خُتمت. ثم فجأة… تأتي الأوامر."

غريس بصقت على الأرضية الحجرية بجانبها، وقالت:

"الكل يعلم مَن أنقذك."

سيران هز رأسه وقال ببرود:

"عائلة كورماستون، رغم دناءتها، ما تزال أقرب للعائلة الملكية من أن تُرفض وساطتها. للأسف…"

ديفد رفع نظره إليهم.

الاحتقار في أعينهم واضح… لكنه لم يُفاجأ.

فهو مَن كتب هذه الكراهية.

كان يعلم أن ديفد الأصلي شخصية مكروهة، مستفزة، دمويّة، مدمن على السحر الممنوع.

كان يعلم أن الأكاديمية تراه وصمة عار.

لكنه الآن… في جسده.

ويجب أن لا يترك أي ثغرة.

"هل يمكنني التحدّث؟"

قالها بصوت هادئ، متماسك، رغم دوامة الأفكار في رأسه.

إلدروف لم يرد. لكن غريس قالت:

"فاجئنا يا ديفد. أخبرنا لماذا يجب أن نبقيك حيًا، بعد كل ما فعلته."

هنا، لحظة صمت.

ثم قال الكاتب، بدقّة، وهو يقيس كلماته:

"لو أردتم موتي، لما كنت واقفًا هنا. نفوذ عائلتي كان أقوى من قراركم. وهذا وحده… دليل على أنني لست هنا بمشيئتي."

سيران قال:

"تتحدّث عن نفوذ؟ من أنت لتتحدث عن نفوذ؟ عائلتك قد تكون نبيلة، لكنك حثالة مكروهة حتى من خدمها."

ألييرا قالت، ببرود يشبه السُمّ:

"نحن لم نجلبك لنستمع لفلسفتك. بل لنقرّر… هل أنت خطر، أم خطر مؤجّل."

هنا… ديفد تذكّر شيئًا.

في الرواية… هناك فصل فرعي لم ينشره. كتبه ثم مزّقه.

كان عن "الوصمة السوداء"، طقس سحري قديم كانت الأكاديمية تستخدمه لتحديد ما إذا كان الشخص يُخفي مانا محرّمة داخله.

إن قال لهم عن هذا الطقس، سيبدو وكأنه يحاول إثبات براءته بنفسه، كما يفعل الأبرياء…

"هل ستسمحون لي بطقس إثبات البراءة؟"

قالها فجأة.

نظر إليه الجميع.

إلدروف ضيّق عينه.

"طقس الوصمة؟"

ألييرا أغمضت عينيها كأنها سمعت حماقة جديدة.

غريس قالت:

"طقس قديم، مهجور، لم يُستخدم منذ عشرين عامًا."

ديفد قال بثقة مصطنعة:

"لأنني أعلم أن لا شيء بداخلي."

هنا، لحظة صمت حادة.

سيران مال للأمام.

"وهل تظننا أغبياء؟ هذا الطقس قد يُخفي آثار المانا المحرّمة مؤقتًا. خصوصًا لو كنت أنت من أعدّه. الكذبة لا تُقنع أحدًا، كورماستون."

ديفد ابتلع ريقه.

يجب أن يُقنعهم بشيء أقوى.

يجب أن يبدو كأنه يعرف، يتلاعب، يخفي… مثل ديفد الحقيقي.

فقال ببرود، بنظرة متحدية:

"أنتم لا تريدون الحقيقة. أنتم تريدون مبررًا لكرهي."

كلماته، رغم هدوئها، كانت كالسُم.

غريس قامت من مقعدها فجأة، وصوتها ارتفع:

"لو كنتَ ابني، لذبحته بنفسي، وأحرقت الجثة!"

"حاولي."

قال ديفد، بنفس الهدوء.

لحظة، ثقيلة، صامتة.

ثم…

صوت صفعة قوية على الطاولة.

إلدروف صرخ:

"كفى! غدًا، نجتمع مرة أخرى. ولن يخرج هذا الوغد من القاعة إلا بقرار نهائي."

ثم أشار إلى الحراس.

"خُذوه. لا أحد يكلّمه. ولا يُكلمه أحد. خذوا منه كل شيء… حتى المانا."

انفتح الباب مجددًا.

وديفد شعر بشيء داخله يرتجف.

لكنه حافظ على تعابيره.

وهو يخرج من القاعة، قال في نفسه:

"أنا لست الكاتب هنا فقط… أنا الوحيد الذي يعرف كيف تنتهي القصة."

الجزء الثاني 

عندما أُغلق الباب الثقيل خلفه، شعر ديفد بأن القاعة التي خرج منها لا تزال تزنُ على صدره.

الهواء هنا أفتح قليلًا، نعم، لكنه لا يعني شيئًا.

ليست الحرية، بل مجرد استراحة بين صفعتين.

الخادمان لا يتكلمان، أعينهما معلّقة به كأنّهما يتمنّيان لو ينهار أمامهما… كي يضحكا.

لكنه لم ينهَر.

ليس لأنه قوي، بل لأنه عاجز عن الفهم.

هو لم يعتد بعد على كونه هنا.

لم يعتد على فكرة أن هذا الجسد الذي يسكنه… ليس له.

بل جسد من كتبه، رسمه، قرّر نهايته بنفسه.

(هذا الجسد يموت في الفصل الأربعين… محترقًا، محطمًا، يكره العالم كما يكرهه العالم. لا أحد يبكي عليه. لا أحد حتى يتذكّره.)

أخذ نفسًا عميقًا.

(والآن… أنا فيه. لكنّي لست هو. هذا يعني أنني لا أموت…؟ أم أموت بطريقة أسوأ؟)

مرت لحظة صامتة وهو يتأمّل ما حوله.

ذات الممرات التي وصفها في الفصل السابع من الرواية الأصلية.

ذلك الجزء حيث كتب أن الأكاديمية ذات طابع بارد، حجري، تُخفي الأسرار في جدرانها كما تُخفي خيبات الأمل في عيون طلابها.

(لم أكتب كل شيء… لكني أعرف ما يكفي.)

يعرف أن هذه الأكاديمية ليست كما تبدو.

أن المجلس الذي واجهه ليس "جهة تحقيق" فحسب.

إنهم… صُنّاع الموت.

من لا يرونه جزءًا من "التوازن"، يُدفن دون ضجيج.

**

دخلوا أحد الأجنحة الجانبية، المؤدية إلى سكن الحجز المؤقت.

وقف الحارس أمام باب رمادي صغير، ثم قال دون أن ينظر إليه:

"ابقَ هنا حتى يُنادى عليك. لا تلمس شيئًا. لا تتنفس كثيرًا."

ثم فتح الباب ودفعه بخفة، لكنه لم يكن يبتسم.

ديفد دخل.

الغرفة لم تكن زنزانة، لكنها كانت مزيجًا بين غرفة استجواب وغرفة انتظار للموتى.

مقعد خشبي متهالك، طاولة غير مستوية، مرآة مغطاة بمانا حمراء.

وسقف… يقطر رطوبة.

جلس.

أسند رأسه على الحائط، وأغمض عينيه.

(حسنًا… ما الذي أعرفه؟ دعني أرتب الأمور.)

**

ديفد كورماستون، حسب الرواية التي كتبها، وُلِد بلا موهبة.

نظام التصنيف يبدأ من F – وهو، في القاع.

لم يكن غبيًّا. بل كان ذكيًا، حادّ الذكاء.

لكنه وُلد بموهبة فاسدة، طاقة مانا لا تكفي حتى لتشغيل تعويذة شفائية بسيطة.

لم يكن ليُقبل في الأكاديمية، لولا أن عائلته تدخّلت.

عائلة كورماستون… واحدة من العشر عائلات العليا، بسبب الدم الملكي القديم الذي يجري فيها.

نفوذهم السياسي كفيل بجعل أي بوّابة تنفتح.

لكن ديفد؟

كان وصمة في اسمهم.

فأرسلوه للأكاديمية ليتخلصوا من عبئه… أو يموت فيها، إن أمكن.

**

لكنه لم يمت.

بدأ يبحث في السحر المحرّم.

في الأشياء التي لا تُدرّس، ولا يُسمح بقراءتها.

والأهم: أنه نجح.

تحوّل إلى مخلوق لا يتبع القوانين.

قوّته لم تكن من نوع يمكن قياسه.

لم يكن B أو C أو SS.

كان شيئًا آخر.

(وفي الرواية… جعلته عدوًا. لم يكن بطلًا. لم يكن حتى خصمًا شريفًا. كان الندبة القبيحة التي أراد الأبطال إزالتها ليكملوا قصتهم.)

**

ديفد تنفّس ببطء.

(والآن… كلّ ما أعرفه عن هذا العالم، وكلّ ما كتبته… صار سلاحًا. السؤال هو: كيف أستخدمه؟)

**

إن حاول أن يُقنع المجلس ببراءته، سيضحكون عليه.

الحقائق ضده. الأدلة ضده. سمعته؟

ممزقة.

إن حاول الهرب، فالأكاديمية لن تتركه.

وإن ظل صامتًا… سيُمحى.

**

(لا يوجد سوى طريق واحد.)

فتح عينيه، ونظر إلى السقف.

(عليّ أن أتصرّف مثل ديفد الحقيقي. أن أكونه.)

**

More Chapters